السعادة المسروقــــة !

السعادة المسروقة __ الجزء الأول

ولدت وفي فمها ملعقةٌ من ذهب ( كما يقولون ) محاطة بالرعاية الشديدة والدقة المتناهية والخوف عليها من كل شئ حتى النسمة الرقيقة لتجد نفسها شيئاً فشيئاً تعيش في سجن كبير اسمه ( نحن نخاف عليك ، نحن نعرف مصلحتك أكثر ) وتم تحديد قائمة طويلة من اللاءات لا يحق لها تجاوزها مهما حدث .
حين تم إدخالها الروضة لم تكن تفهم عندما كانت تقوم مربيتها بسحب مصروفها الكبير كله وتعطيها تلك الحلوى الرخيصة المحببة لديها والتي لم تكن تحظى بها يوماً أو تبقى لساعات تلعب بالتراب والرمل بدلاً من بركة السباحة في سجنها الكبير مقابل أن لا تخبر أحداً ، ولم تكن لترفض ذلك ، وعندما ذهبت للمدرسة كان يرافقها دوماً الخادمة والسائق كظلها ولم يكن يسمح لها بشراء طعام الإفطار من المدرسة كباقي الاطفال بل يحضر لها طعاماً مخصوصاً ( ليكون صحياً وفق مايرونه مناسباً لها ) آه كم تمنت أن تتذوق طعامهم وتعيش حياتهم ، وفي يوم طلبت من إحدى صديقاتها مبادلة ما إشترته من طعام بطعامها في غفلةٍ من الخادمة فقبلت وكانت في قمة السعادة فقد كان مختلفاً ولذيذاً وتعلمت من يومها أن تسرق تلك اللحظات وتخترق قائمة اللاءات المملة .
إكتشفت حبها الشديد للقراءة عندما سمح لها خالها يوما أن تتجول في مكتبتة الكبيرة جداً داخل البيت الكبير وقام بإهداءها إحدى القصص العالمية الأدبية فعاشت معها بكل تفاصيلها وقامت بتخبئتها حتى لا تحرم منها ، وإعتادت بعد ذلك التسلل إلى المكتبة بعد أن ينام الجميع وتصنع مايشبهها من غطاء على السرير ( خدعة تعلمتها من خالها ) لتغرق بعدها في عالم جميل من الكتب بشتى الأنواع ، أدب ‘ شعر ، سياسه ، تاريخ ، كل ما تقع عليه عيناها في مكتبة خالها الضخمة ، إلى أن كان يوماً غفت فيه دون أن تحس لتجدها والدتها في الصباح وتنال عقاباً شديداً خصوصاً ولسؤ حظها كانت القصة التي تقرأها رومانسية ساخنة فجن جنونها وهددت أخاها بعدم إستقباله في بيتها إذا ما قام بالسماح لها أو مدها بمثل هذه النوعية من الكتب .
ولكن هيهات زاد شغفها أكثر فأكثر ووجدت ألف طريقة وطريقة لتهرب إلى العالم المسحور وتروي ظمأها الشديد لذلك الشئ المستطيل كبيراً كان أم صغيرا ومهما كان مايحمله بين طياتة من حروف وكلمات و يسمى الكتاب ، كبرت وكبر معها حب إختراق القائمة وكانت تعتمد على المقايضة مع صديقاتها وحتى مع الخادمة والسائق أحياناً ( ظلاها أو السجانان كما كانت تطلق عليهما وهي تضحك بين رفيقاتها ! ) ففي إحدى الرحلات الخاصة أغرت الخادمة حتى تغض الطرف عنها لتقوم برحلة مجنونة على زورق الماء وكانت في قمة السعادة قبل أن تفقد السيطرة عليه وتسقط في الماء ، وكان العقاب الحرمان من الخروج ورؤية صديقاتها لمدة شهر كامل بالإضافة لفصل الخادمة المسكينة وهو ما حزنت عليه كثيراً .
كانت تحس دوماً بأنها مختلفة عن الجميع ، كان معلميها يقولون عنها أنها تسبق سنها كثيراً
ولكنها كانت تحس بالغربة منذ الصغر وتذوقت مرارتها ، لم تحس بالإنتماء إلا لجذورها الداكنه والتي لم تكن موجودة إلا في أعماقها فقط ، وحين تبوح به تواجه الإستغراب الشديد والذي إعتادت أن تسمعه منذ الصغر ( غير معقول ) إلا في ذلك اليوم حين أصيبت بجرح في يدها و أخذتها رفيقاتها الى ممرضة الجامعة لتطهيره وعندما نادت إسمها ردت : نعم
فكررت الممرضة الأسم مره أخرى فردت بإنزعاج شديد : نعم ، أنا هنا
قالت الممرضه بإستهجان : لا ليس أنتِ ، مكتوب الجنسيه ...... !! ( هي على حق ، ترى أمامها فتاةٌ ذات عينان بلون العسل المصفى وخصل كأشعة الشمس الدافئه وبشره تتوهج كرذاذ الثلج الجبلي ) ولكن الفتاة ثارت عليها وتملكها الغضب الشديد وردت : تحبي تشوفي الباسبور عشان تتأكدي ؟ تفضلي ! نعم هي أنا ، هل أنت عمياء أنظري الصوره .
تراجعت الممرضة بخوف وردت : حسناً أعتذر ، لم أقصد
أنبتها رفيقاتها على تصرفها هذا حيث لم يكن هنالك داعي له فهي تعرضت له كثيراً ! لماذا الأن ؟ لم تعد تدري ،
ربما هو رغبتها وحبها لذلك الجزء المخفي منها ولمحات تحملها في داخلها كالطيف منذ زمن بعيد و زيارة واحدة على مدى عمرها القصير ، فقد كانت ترفض والدتها ذلك وتفضل قضاء الإجازة مع أهلها في بلدها ( أيضاً معها حق ) ولكن !! أين حقها هي ورغباتها من ذلك ؟
او ربما كان سبب الإنفجار ما كانت تحس به في ذلك الوقت تجاه من أحبت والذي كان لقاءه كالحلم حيث لعبت الصدفة الغريبة دورها معهما ، جاء لزيارة صديق له يعمل محاضراً في جامعتها عندما لمحته قادماً من بعيد ، ترددت للحظات ( ربما هو؟) ولكنه عندما تجاوزها أيقنت أنه مجرد تشابه ليس إلا ، ولكنه إستدار عائداً ليقف أمامها مردداً إسمها بإندهاش فقد عرفها كما عرفته ، صحيح أنه إزداد سمرةً إلا أنه مازال كما هو ( الفتى المشاغب ) بإبتسامته الجميله ، أحست أن قلبها يقفز من مكانه وعرفت أنها لم تتوقف يوماً عن حبه !!
كان اللقاء سريعاً فقد كان ظلها ينتظر ليحملها الى السجن الكبير حيته وتبادلت معه حديثاً سريعا ثم إنصرفت مسرعة على وعد منه أن تراه مجدداً ، وعاد بعد عدة أيام وليته لم يعد ولم تراه !!!!