منتدى قناة شباب tv
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو
معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى
سنتشرف بتسجيلك
شكراً

ادارة المنتدى
بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! 11110
منتدى قناة شباب tv
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو
معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى
سنتشرف بتسجيلك
شكراً

ادارة المنتدى
بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! 11110
منتدى قناة شباب tv
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اهلاً بكم في منتدى شباب Welcome to Moontada Chabab TV
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟!

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
بنوته

بنوته


رسالة sms * : النص
تاريخے التسجيلے•|~ : 18/04/2011
مُشارڪاتے •|~ : 56
تاريخے الميےلاد•|~ : 13/07/1989
العمےر•|~ : 34

بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! Empty
مُساهمةموضوع: بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟!   بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 26, 2011 3:42 am

عن أي مثقف نتحدث ؟

في غمرة الكفاح المتنامي لحركات التحرر الوطني والقومي التي اجتاحت شعوب العالم الثالث ، عشية الانحسار الذي لاح في زخم الظاهرة الاستعمارية مطلع خمسينيات وستينيات القرن المنصرم ، للمطالبة بنيل استقلالها السياسي وتحررها الاقتصادي وانعتاقها الإيديولوجي وانفلاتها الجيوبولتيكي ، شرعت مختلف الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والتنظيمات الجماهيرية ، التي كانت فاعلة ومؤثرة في أوساط تلك الشعوب ، بحفز نخبها الفكرية وتنشيط كوادرها الثقافية للمباشرة بحملات تثقيفية واسعة ، تستهدف من خلالها التعريف بأصول مبادئها النظرية والإعلان عن طبيعة برامجها العملية ، التي من شأنها توحيد المكونات الاجتماعية المتفرقة وتفعيل الطاقات المعنوية المشتتة ، باتجاه حسم الخيارات المصيرية وتبني الرهانات المستقبلية ، المتعلقة بتكوين دولها الوطنية وتشكيل حكوماتها المستقلة . وهكذا فقد برزت إلى السطح شريحة من المثقفين الذين امتهنوا وظيفة التحشيد الفكري والتجييش الإيديولوجي ، داخل تلك الأطر التنظيمية والمهنية والاجتماعية ، سواء لجهة تحديد هويتها الطبقية أو تسويغ خطابها السياسي أو تبرير استحقاقها السلطوي ، لأجل أن يحظى كل منها بأكبر قدر من الدعم والمؤازرة من لدن مختلف قطاعات المجتمع وشرائحه كافة ، فضلا"عن تعزيز حضورها في وعي الأفراد والجماعات ، وتقوية مواقعها على صعيد كسب الأنصار والمريدين . ولأن الجميع لم يتوانى في الزعم بانخراطه ضمن دعاوى المشاريع الوطنية والتطلعات القومية التي كانت رائجة وقتذاك في أدبيات العمل السياسي التحريضي ، كما لم يعدموا الادعاء بالنهل من معين ثوابت تاريخية واحدة والاحتكام إلى مواريث ثقافية مشتركة ، هذا بالإضافة إلى الاتكاء على قاعدة من الشرعية النضالية المجربة ، للحد الذي أفضى إلى رفع درجات حمى التنافس الحزبي والصراع السياسي والتفاضل الإيديولوجي ، بحيث تشظت الرؤى حيال الواقع عينه ، وتذررت المفاهيم إزاء المجتمع نفسه ، وتبعثرت المواقف مقابل الأهداف ذاتها . وهكذا فقد نحا البعض منحا"(دينيا"/ إسلاميا") ، عبر ظاهرة تسييس الدين وتديين السياسة ، معولا"بذلك على ما يمكن أن تدره عوائد توظيف المقدس في المدنس ، وزج ما هو الهي فيما هو بشري ، وخلط ما هو متعالي فيما هو واقعي . هذا في حين اختط لنفسه البعض الثاني مسارا"(قوميا"/ عروبيا") ، يستصرخ من خلاله ماض الأمة ويستنهض رموزها وبستوحي تراثها وبستلهم تاريخها ، مراهنا"بذلك على ما تختزنه الذاكرة التاريخية من رموز ومرجعيات ، ومعولا"على ما يحتويه المتخيل الجمعي من رؤى وتصورات ، من منطلق إن المجتمع الذي يخاطب وعيه ويدغدغ مشاعره ، لم يبرح يرزح تحت وطأة ثبات عاداته وسكون قيمه وركود تقاليده وتأسطر فكرياته . أما البعض الثالث فقد سلك اتجاها"(طبقيا"/ ماركسيا") يتوسل من خلاله ؛ تعميق الانقسامات الاجتماعية ، وتأجيج الاختلافات القيمية ، وتصعيد التناقضات الإيديولوجية ، وذلك بالعزف على أوتار الفوارق ما بين الطبقات المترفة / البرجوازية ونظيرها المعدمة / البروليتارية ، ما بين أخلاق الفردية / الرأسمالية وأخلاق الجماعية / الاشتراكية ، ما بين قيم الجشع والاستغلال والأنانية وقيم التكافل والعدالة والمساواة . وإذا كان التيار الأول قد اعتمد في خطابه السياسي على لازمة (الماضي / التأسيس) لإثبات أحقيته ، وان التيار الثاني قد ارتكز في حجاجه عن أفكاره ومنافحته عن مواقفه على قاعدة ( الحاضر / الأصالة) لفرض شرعيته ، فان التيار الثالث قد تبنى في تسويق مثله وتشويق أهدافه صيغة (المستقبل / المعاصرة) لتأكيد أهليته . ولما كانت ظواهر التسلط السياسي والتبقرط المؤسسي والتخبّط الفكري والتحنّط الإيديولوجي ، قد عرّت قباحات وكشفت عورات وفضحت انحرافات ، نماذج أحزاب التيارات الأولى والثانية – وعبرها ومن خلالها عناصرها المثقفة - بحكم تفرّدها المرضي بإدارة دفة السلطة ، وإمساكها الوسواسي بأعنة النظام . فقد نأت بنفسها – على مستوى القول لا الفعل والادعاء لا الممارسة طبعا"- أحزاب نماذج التيار الثالث عن تحمل أوزار تلك السياسات الفاشلة والممارسات العشوائية ، على خلفية حرمانها المزمن من الانخراط في العمل السياسي الشرعي ، واكتفائها ، من ثم ، بالتحصن خلف واجهات المعارضة بأنماطها السلبية والايجابية . وهو الأمر الذي هيأ لها فضاء"من ديمومة الحراك وفاعلية التأثير، لاسيما بين الأوساط الاجتماعية المحرومة من الحقوق والمهمشة من المشاركة والمقصية من الامتيازات ، كما وأضفى عليها غطاء"من الجاذبية الفكرية ، ستبرع أجيال مثقفيها اللاحقين من استثمار رصيده وتوظيف اعتباره ، في أتون صراعاتها المستمرة مع الخصوم والمناوئين . وبقدر ما أظهرت الأحزاب الدينية الدوغمائية تمسكها بنموذج (المثقف / الدعوي) لبث أفكارها وحث أنصارها ، وبقدر ما رهنت الأحزاب القومية التقليدية مصيرها بنموذج (المثقف / التعبوي) لتسويق خطابها وتحقيق رسالتها ، فان الأحزاب اليسارية بمختلف تلاوينها سوف تتبنى- مع إيقاع الواقع المعاش وطبيعة السياق الملموس - صيغة (المثقف / العضوي) الغرامشية بدلا"من صيغة (المثقف / الإيديولوجي) اللينينية ، التي كانت خيارا"رائجا"ورهانا"مقبولا"عند الغالبية العظمى لمثقفي بلدان العالم الثالث ، بعد أن ألزمتهم مرحلة ما بعد الاستعمار ، على إعادة النظر بكافة التصورات والمقولات والمفاهيم ، التي كانت مفاتيح أسرارها لولوج عالم الإنسان المستعمر (بفتح العين) واختراق وعيه ونمذجة سلوكه ، بحيث ينظوي ضمن صفوفها ويتماهى مع إيديولوجيتها من جهة ، ومقارعة قوى المستعمر (بكسر العين) ، ليس فقط لإضعاف إرادته وتقليص نفوذه فحسب ، بل لإجباره على منحها سمة الدخول إلى عالم السياسة واعتلاء عرش السلطة من جهة أخرى . ومع انحسار موجة التجربة السياسية ذات المنحى القوموي المتشدد ، عن واقع عراق ما بعد سقوط النظام السابق وما تمخض عنها من اخفافات سياسية وانحرافات فكرية ، وأفول دور (المثقف التعبوي) الذي كان يمجّد أفكارها الطوباوية ويعضّد سياساتها الارتجالية ، فوجئ الوسط الثقافي العراقي المحسوب على قوى اليسار والمنظوي في تياراته العلمانية والليبرالية ، بصعود نجم (المثقف الدعوي) الذي كان يمثل في أعراف تلك الأوساط مجرد بقايا وفلول الطبقات التقليدية المتآكلة ، وخصوصا"الدينية منها ، التي اعتقد أنها فقدت زمام المبادرة التاريخية ، وتراجعت أمام الضرورة الاجتماعية ، وتخلت عن أوهامها الطبقية ، وأسلمت بالتالي قياد أمرها لسلطة الطبقة الصاعدة وسلطان (مثقفها العضوي) المتنامي . وبدلا"من أن تبادر عناصر ذلك اليسار المأخوذ بيقينياته الإيديولوجية والمفتون بمسلماته الأسطورية ، للشروع بدراسة مسببات تفاقم هذه الظاهرة ، والسعي لتشخيص مكوناتها وتحديد مقوماتها وفرز خصائصها ، وفقا"لضرورات التحليل العلمي الذي يتطلب الجرأة في الطرح والموضوعية في الاستنتاج من جهة ، ومبررات التأويل المنهجي التي تستدعي الغوص في الأعماق والبحث في الخلفيات والتنقيب في المطمورات من جهة أخرى . فإنها آثرت أن تيمم وجهها صوب تجليات الواقع السياسي المباشر ، محيلة إياه إلى دريئة جاهزة لطعون فشلها وسهام عجزها ، لاعنة غموضه وشاجبة استعصائه ومستهجنة تقلباته ، معتبرة إنه بمثابة المصدر الوحيد للنكوص الفكري الذي تتخبط فيه ، والمسؤول الأول عن القصور الثقافي الذي تعاني منه . دون أن تكلف نفسها عناء التوجه نحو حصون وعيها الذاتي ، لتميط اللثام عن ركام الغرائز وزحام النوازع التي لا زالت فاعلة في بنيته ومهيمنة على توجهاته ، مثلما تمتلك الجسارة لنقد معارفها الخاصة ومساءلة فكرياتها الحميمة ، للكشف عن تخلف عدة الأولى وضحالة مضامين الثانية . ولأنه يحتكم إلى تراث غني بالنظريات وتاريخ حافل بالممارسات ، فقد واجه المثقف اليساري – الذي وجد في طروحات غرامشي ضالته - صعوبة القبول بالتفسيرات التي ترى ما لا يراه أو أبعد مما هو مستعد أن يراه ، أو الاستئناس بالتأويلات التي تعتقد بما لا يعتقده أو أعمق مما هو مؤهل لأن يعتقده ، خصوصا"لجهة الأطروحة التي تتحدث عن مزايا (المثقف العضوي) خلافا"لنظيره (التقليدي) ، وما قد تنطوي عليه من جسامة الأدوار التي يكلف للقيام بها ، وخطورة الوظائف التي ينتدب لإنجازها . متخذا"من الخاصية (العضوية) المضافة إلى كينونة (المثقف) ، بمثابة التميمة السحرية التي تمنح حائزها مواصفات ؛ التعالي على أي نقد والتسامي فوق أية مراجعة والتنزه عن أية مساءلة . والحقيقة إن هذه الصفة تحديدا"تستلزم ابتداءا"، الرفض الجذري لكل أنواع العصمة الفكرية ، والتخلي النهائي لجميع أشكال الكفاية المفاهيمية ، التي كانت الماركسية النقدية بطبعتها الغرامشية من أبرز معارضيها وأشد مناهضيها . من منظور إن الشيء أو الوضعية أو الحالة (العضوية) ، المستوحاة أصلا"من الديناميكية الحيوية / البيولوجية للكائن الحي ، تفترض على نحو مسبق حقيقة إن كل هذه الأنماط من الوجود والأشكال من المعطيات ، لا بد لكي تحوز صفتها وتمارس وظيفتها وتفعل تأثيرها ، أن تحايث التغيير في بنى الواقع وتجاري التطور في أنساق المجتمع ، بعد أن تتغلب ذاتيا"على مكامن العطالة التي تشدها إلى ظواهر السكون وتجذبها لمظاهر الثبات . وهكذا فالأولى أن يكون امتياز (العضوية) الذي شاع تداوله في الآونة الأخيرة ، لتوصيف حملة الثقافة العلمانية / الحداثية بصورة عامة ، ومثقفي عصر التحول الديمقراطي الجديد في العراق بشكل خاص ، على خلفية سقوط هيبة (المثقف التعبوي / القوموي) من جهة ، وصعود هالة (المثقف الدعوي / الديني) من جهة أخرى . أن يكون مدخلا"عقلانيا"ومقاربة واقعية لتفعيل عوامل ؛ التعرية للذهنيات الأسطورية ، والنقد للأصوليات العصبوية ، والتفكيك للذاكرات الخرافية ، والزحزحة للقينيات الطوباوية ، التي لم تبرح شغالة في بنى الوعي ، ومهيمنة على سساتيم الفكر ، ومؤطرة لأنماط الشخصية ، ومنمذجة لديناميات السلوك . ولأن مفهوم الثقافة ومقولة المثقف يتقاطعان بالتعريف مع ما توحي به ارتكاسات النماذج (الدعوية / الدينية) و (التعبوية / القوموية) ، فقد تركز اهتمام هذه المساهمة على ما يشي به النموذج (العضوي / اليساروي) ، ليس لأنه يشكل الضمانة الوحيدة المأمولة لانتشال رهط المثقفين من مآزقهم المستديمة ، وإقالتهم من عثراتهم المستمرة ، وتخليصهم من عطالتهم المزمنة – كما قد يفهم من سياق الموضوع – وإنما لكونه بات أقرب إلى مثالب خصومه ورزايا مناوئيه ، منه إلى مناقب رموزه ومزايا تراثه . كما أضحى أكثر ميلا"للأخذ بمضمون أساطير هؤلاء ومحتوى خرافات أولئك ، بدلا"من أن يكون سعيه منصبا"على تنوير وعيهم بعقلانيته ، وتغيير تفكيرهم بمنهجيته ، وتثوير قيمهم بإنسانيته .

لماذا يتفاقم مأزق المثقف العضوي ؟

لعل في توصيفنا لأنماط المثقفين على النحو الذي تقدم ، يشكل ابتسارا"لغنى الوقائع الفعلية واختزالا"لتعقيد الأوضاع المعطاة ، من منطلق إن تناول المسألة الثقافية من زوايا علاقاتها المتعددة وديناميات تفاعلاتها المتنوعة ، في إطار الجدلية الاجتماعية وقوانينها الموضوعية ، لا يمكن حصرها في تحليل فكري معين أو تجميدها ضمن تأويل خطابي محدد . فهي – بخلاف غيرها من البنى والأنساق التي قد تنصاع للضرورة وتذعن للحتمية – مجبولة على ممارسة التأثير الايجابي في غيرها أو الخضوع للتأثر السلبي من سواها ، وهو الأمر الذي يبقيها مشرعة البدايات لاستيعاب ما هو جديد من تصورات ومفتوحة النهايات لاجتياف ما هو مستحدث من مقولات . هذا من جانب ، أما من جانب ثان ، فان هذا التصنيف الافتراضي لا يزعم لنفسه – في مطلق الأحوال – الصدقية المعرفية الكاملة والكفاية المنهجية المعتمدة ، خلافا"لبقية الإسهامات الأخرى التي قد تتعارض مع هذا الطرح وتتقاطع مع هذا التوجه . ومن منطلق الاعتقاد بحقيقة إن الظاهرة الاجتماعية هي أكثر من أن تستوعبها نظرية واحدة مهما كانت مشهورة ، وأعمق غورا"من أن تستكشفها منهجية مخصوصة مهما كانت معروفة . ولذلك فان جلّ ما نتوخاه هنا هو توظيف المقاربة التأويلية / النقدية ، المتحررة من أصنام الإيديولوجيات والمتجاوزة لأوهام القينيات ، للولوج إلى أروقة الوعي الذاتي للمثقف العراقي ذو المنزع العضوي ، لتعرية مزاعمه عن دوره السياسي ، وفضح ادعاءاته عن وظيفته الثقافية ، وكشف تخيلاته عن مكانته الاجتماعية . وإذا ما تأملنا اشتراطات المنهجية الديالكتيكية – هناك من يعتقد بأن خصائص الديالكتيك الماركسي أرقى نوعيا"من الجدل الهيجلي – التي تفترض واقعة إن التناقضات الذاتية والصراعات الموضوعية ، التي يرجح لها أن تقع ضمن إطار التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الواحدة ، لاسيما على مستوى البنية التحتية (علاقات الواقع المادية) ، سوف تستدعي وبالضرورة حدوث ما يوازيها من تناقضات وصراعات مماثلة على صعيد البنية الفوقية (تصورات الوعي الرمزية) ، والعكس صحيح أيضا". بمعنى إن الحدث الذي تتشكل عناصره وتتبلور ملامحه عند قيعان الوضع الاقتصادي وأساسات الواقع الاجتماعي ، سوف لا يلبث أن يجد صداه وقد انعكس على ذرى السياسة وقمم الثقافة وتخوم الوعي ، والعكس بالعكس . وعليه فان وابل المفارقات التي تعرض لها نسيج المجتمع العراقي ، على صعيد اضطرابات السياسة واحترابات السلطة واستقطابات الهيمنة ، لم تلبث تداعياتها أن انعكست على مستوى انكسارات الوعي وانتكاسات الثقافة وانزياحات القيم وانشطارات المتخيل وتصدعات الذاكرة ، بحيث لم تعد هناك معايير أو مقاييس يمكن من خلالها تقويم سلوك النخبة وتقييم عطاء المثقف ، تحتل تأثير المزاعم بالتحول الديمقراطي ونشوة الادعاءات بالتعددية الفكرية . لذلك فقد اختلط الحابل بالنابل ما بين الثقافة الخرافة ، والسياسة والقداسة ، واندرست الحدود وضاعت الفواصل ، ما بين المثقف (الدعوي / الديني) ونظيره (التعبوي / القوموي) من جهة ، وبين المثقف (العضوي / اليساروي) من جهة أخرى . ففي الوقت الذي يتشدق فيه هذا الأخير بالانتماء لجبهة الأفكار الديمقراطية والعلمانية ، فضلا"عن انخراطه بالولاء للشخصية العراقية والهوية الوطنية ، نلفاه لا يتورع – إذا ما تعرضت مصالحه الشخصية للتهديد – عن إظهار أسوأ ما في النوازع من تعصب وأبشع ما في الدوافع من تطرف وأشرس ما في الغرائز من عنف . بمعنى انه لم يفتأ يظهر عجز انفلاته وفشل انسلاخه عن الخصائص (التقليدية) ، التي عادة ما ينسبها لغيره السياسي ويظنها في سواه الإيديولوجي ، لاسيما تلك المتعلقة ؛ بنظرته التجزيئية لمعطيات الواقع ، وتصوره الأحادي لمنتجات الفكر ، واختياره الانتقائي لمصادر الثقافة ، وإدراكه المشتت لموروث القيم ، وفهمه المرتبك لمخزون الذاكرة . فالخاصية (العضوية) ، كما حاول غرامشي إسباغها على شخصية المثقف (العضوي) ؛ كامتياز طبقي ، وتفوق إيديولوجي ، ومسوغ تاريخي ، ومن ثم ، كرجحان سياسي واقتدار سلطوي . تستلزم ضرورة عدم التسليم الأعمى بما يشيعه عنها حاملي صولجانها ورافعي رايتها ، كما لو أنها تميمة طقسية تمنح مريديها صحة اليقين أو تعويذة سحرية تطرد عنهم وساوس الشك ، إنما ينبغي استيعابها وتعاطينا معها ، كمقولة إشكالية بامتياز قابلة ، في أية لحظة ، للارتداد إلى نقيضها ، إذا ما جرى تحنيطها سوسيولوجيا وتوثينها ابستمولوجيا". بحيث تنقلب إلى نوع من أنواع الدوغمائية الإيديولوجية ، بدلا"من الديناميكية الفكرية ، وتستحيل إلى شكل من أشكال المطلقية الميتافريقية ، بدلا"من النسبية التاريخية . وهو ما أفضى – ولا يزال – بالمثقف (العضوي) المزعوم إلى ديمومة اجتيافه واستمرار تمثله للخصائص (التقليدية) المدانة من قبله ، حتى دون أن يعي ذلك أو يشعر به . للحدّ الذي أورثه – خلافا"لأقرانه من بلدان محيطه الإقليمي – جملة من القناعات الزائفة واليقينيات الواهمة ، منها على سبيل المثال لا الحصر ؛ كونه الأوحد في زمانه ، والأندر في صفاته ، والأكمل في ثقافته ، والأخصب في إبداعه ، والأعظم في تاريخه ، والأصدق في وطنيته . وهو الأمر الذي لم يفتأ يفاقم مآزقه ويؤزم معاناته ، حتى لكأنه وغريمه المثقف (التقليدي) باتا يتبادلان الأدوار ، ويتقاسمان الوظائف ، ويتناوبان المواقف .

تقليدية المثقف العضوي

لاريب في أن شهرة الفيلسوف الإيطالي (أنطونيو غرامشي) وذيوع صيته ، لم تتمخض فحسب على خلفية توقد ذهنه وتوهج تفكيره حين أبدع (كراسات السجن) ، وهو في أحلك ظروفه السياسية والاجتماعية ، وأصعب أوضاعه النفسية والصحية ، ولا حتى في جسارة وعيه النقدي الذي طالما اشتبك مع أشرس القوى السياسية السائدة في محيط بيئته الاجتماعية ، والتحم مع أكثر الأفكار الفلسفية رواجا"في إطار عصره التاريخي . وإنما لكونه آثر الخروج باكرا"عن سرب المحلقين في فضاء النظريات المجرّدة ، والانسلاخ عن جمهرة المتطفلين على بريق الإيديولوجيات الطوباوية . بحيث اختط لنفسه منهجا"تأويليا"طال أسس ما كان يعتقد أنها ثوابت العقيدة التي كان ينسب إليها ويحسب عليها . وهو الأمر الذي ألحّ المدعي العام الإيطالي (ميشيل ايسغرو)، على مطالبة القضاة الذين اتفقوا على إدانته واجمعوا على تجريمه ، ليفبركوا مسرحية إصدار الحكم بإيداعه السجن ، مراعاة للغاية المرجوة والهدف الرامي (لإيقاف هذا الدماغ عن العمل لمدة عشرين عاما") . ونحن إذ نذكر هذه اللمحة الخاطفة عن حياة هذا الإنسان المناضل ، لا نستهدف الإشادة بثراء فكرياته وامتداح عمق تحليلاته والتروج لأصالة طروحاته – فالتاريخ على أية حال قد أنصفه في كل هذه المجالات – بقدر ما نعتزم اتخاذ تصنيفه المبتكر لأنماط المثقفين ، بحسب اندراجهم في سيرورة علاقات الإنتاج ، ودوافع انخراطهم السياسي ودواعي انضوائهم الإيديولوجي ، تحت لواء هذه الطبقة الاجتماعية أو تلك ، كمقاربة منهجية نستهدي بها لمعاينة واقع المثقف العراقي ، الذي غالبا"ما يصف ذاته بناء على ما يعتقده من ايجابية مواقفه وسلامة تصوراته ، كمثقف (عضوي) لا ينتمي فقط إلى طليعة المجتمع وينتسب لنخبته (سياسية ، دينية ، ثقافية) فحسب ، بل وكذلك يقود مسار كتلته التاريخية ويحدد خياراتها المستقبلية ، وبالتالي فانه – من وجهة نظره – منزّه من كل العيوب والسلبيات التي يوصم بها نظيره (التقليدي) ، وبعيد كل البعد عن الاتهام بالتقصير الذي يلقيه على عاتق خصمه ، دون أن يكلف نفسه ، ولو للحظة واحدة – وفقا"لمنطق العضوية الذي يتخندق خلفه ويحتمي ورائه – مراجعة مواقفه وإعادة تقييم ذخيرة تصوراته ، بضوء جيشان الوضع السياسي ، وهيجان الواقع الاجتماعي . والحقيقة أنه قد يكون صادقا"في نواياه ومقتنعا"بتصرفاته ، حيال ما يستلهمه من أفكار وما يستوحيه من رموز ، إلاّ إن ذلك لا يحول دون شططه عن معايير الجماعة التي يدعي تمثيلها ، أو يعصمه من الانحراف عن القيم التي يزعم إنه يستبطنها . لاسيما في الحالات التي يجد فيها إن هذه أو تلك تتعارض مع مصالحه وتتقاطع مع توجهاته ، من وحي إن هناك حاجزا"بنيويا"وقطيعة معرفية بين خاصية المثقف (العضوي) وطبيعة المثقف (التقليدي) ، تساوقا"مع التصور الغرامشي للأصول الطبقية التي تحدد وظائف الأول وتؤطر أدوار الثاني . وهو الأمر الذي حدّ من زخم التنظير السوسيولوجي لإشكالية العلاقة المفترضة بين هذه الأنماط من التجلي السياسي والتمظهر الاجتماعي والتخلق الثقافي والتكوّن النفسي ، بحيث سوغ للباحث الأمريكي (بيتر جران) القول بأن (مفهوم غرامشي عن المثقف التقليدي هو أقل أقسام نظريته تطورا") . مقتفيا"بذلك أثر (جان مارك بيوتي) مؤلف كتاب (فكر غرامشي السياسي) ، الذي ألمح في مفتتح قسمه الثاني إلى إن غرامشي ((لايحدد أبدا"تحديدا"واضحا"ونهائيا"معنى مفهوم المثقف التقليدي وحدوده)) . والحق إن المأخذ الذي قد يستشفّ من فحوى هذا الرأي ، لا ينبغي أن يسوقنا للاعتقاد الاعتباطي بقصور أو ضعف المقاربة الغرامشية لهذه المسألة العويصة ، بقدر ما يستلزم – من جانبنا وفي إطار هذا الموضوع – استقراء السياق التاريخي العام الذي وضعت فيه وصيغت من خلاله ؛ لا من حيث وطأة الأرثوذكسية الماركسية في طورها السجالي المتزمت ، وما تمخض عنها لاحقا"من انقسامات حزبية وانشطارات فكرية فحسب ، بل وكذلك من حيث مراعاة الاصطفافات الطبقية والصراعات الإيديولوجية التي شهدها المجتمع الإيطالي لحظة تبلور تلك الأفكار وتجسّد تلك التصورات . الشيء الذي حاول (بيوتي) شحذ الانتباه نحوه بالقول ((وهكذا يربط غرامشي التمييز بين المثقف التقليدي والمثقف العضوي بدراسة المشكلة التي يطرحها على توحيد البلاد الانقسام بين الجنوب والشمال . فالجنوب ، وهو منطقة زراعية أساسا"، ينتج مثقفين عضويين ، بينما الشمال ، وهو منطقة صناعية ، مثقفي البرجوازية العضويين)) . بمعنى إن صفة (العضوية) التي تسبغ على المثقف لا تنفي عنه – بالضرورة – تبعات خلفياته (التقليدية) ، التي سترافقه كظله وما قد تنطوي عليه من إسقاطات نكوصية ظاهرة أو مستترة ، سواء تعلق المر بمضامين تفكيره الخرافي أو بوقائع سلوكه البدائي . ونحن وان كنا لا نرتأي ولا نحبّذ حشر الفاعل الاجتماعي في إطار من صيغ مفاهيمية مجردة ، تتجاهل ما في الكينونة الإنسانية من غنى في المعطيات وانثيال في التوقعات وسيولة في العلاقات ، غالبا"ما تثأر لنفسها من قيود الثنائيات المانوية / الدوغمائية . فإننا ، بالمقابل ، سنجاري – لأغراض موضوعنا – دلالات المعنى السلبي الذي يمحضه (غرامشي) للمثقف التقليدي ، من حيث كونه عنصر هلامي يفتقر إلى جدية الموقف وأصالة الوعي وثبات الإرادة ، مما يوحي – سيقول غرامشي في دفاتر السجن – بان ((أهم ما يميز أية جماعة تتجه إلى السيطرة ، هو نضالها من أجل استيعاب المثقفين التقليديين ، وإخضاعهم (إيديولوجيا") . غير إن هذا يتحقق على نحو أسرع وأفعل ، إذا ما نجحت في نفس الوقت في إعداد مثقفيها العضويين)) . وليس من باب التبجح القول بأنه قلما تعرض بحث أو تقصّت دراسة ؛ ظاهرة وجود معطيات تقليدية لدى من ينسبون لأنفسهم صفة (العضوية) من المثقفين العراقيين ، الذين عادة ما تتسرب إلى منظومات وعيهم وتتجلى في أنماط سلوكهم مظاهر الصفات التقليدية ، التي تنطبق عليها معايير التوصيف الغرامشي الآنف الذكر . فتهمة (التقليدية) لم تكن في يوم من الأيام حكرا"على شريحة المثقفين المجردين من كل موقف والمتحللين من كل التزام ، كما تحاول النظرية الغرامشية أن تصفهم و / أو تصنفهم ، بقدر ما هي خاصية لصيقة بطبيعة الكائن الإنساني ونابعة من صميم كينونته الانطولوجية ، ولكن بدرجات متفاوتة . كما إن امتياز (العضوية) الذي يحاول كل من يزعم انه ينتمي إلى رهط المثقفين التباهي به والتماهي معه ، لم يكن في وقت من الأوقات مقتصرا"على هذا العنصر النخبوي أو ذاك ، أو مختصا"بهذه الشريحة المثقفة أو تلك ، بقدر ما هو مشاع بين الجميع ولكن بجرعات مختلفة . وعلى ذلك فليس هنالك طبقة اجتماعية ، مهما بلغ شأو التجانس في تكوينها ، وبصرف النظر عن مقدار تحولها من طور(الوعي للذات) إلى طور (الوعي بالذات) ، إنتاج مثقفين (عضويين) خلّص مبرأين من كل آثامهم التقليدية (عادات ، تقاليد ، رموز ، أخيلة) . وبالمقابل فليس هناك مجتمع يضم بين جنباته مثقفين (تقليديين) مئة بالمئة ، بحيث يتعذر تطعيمهم بالمواصفات العضوية ، التي تتيح لهم التخلص من أوزار الازدواجية في المواقف والتردد في الخيارات . وهكذا ، وبصرف النظر عن طبيعة المرحلة التاريخية التي يمرّ بها ، وخاصية البيئة الحضارية التي ينغمر فيها ، فان المثقف (= أي مثقف) هو بالمحصلة النهائية مشروع صيرورة قيد التكوّن والتخلق ، حيث تفقد في أتونه التخوم والنهايات معناها الواقعي ومغزاها الرمزي . وهو ما يجعله بمثابة حاضنة تتناسل في رحمها ؛ إما مقومات تشكيله (تقليديا") في تعاطيه مع سريان الأحداث وجريان الوقائع ، أو عناصر بزوغه (عضويا") في تعامله مع الواقع بمختلف رهاناته والفكر بشتى إرهاصاته . إذ إن العبرة تكمن في مقدار انسلاخه عن رزايا الأولى والتخلص من عواقبها من جهة ، وتمثل مزايا الثانية واستبطان مناقبها من جهة أخرى . فهل آن أوان المثقف العراقي – بعد كل هذه العواصف الاجتماعية الزلازل القيمية – إن يعيد قراءة خارطة وعيه وفقا"لمعطيات الواقع وليس امتثالا"لرغباته ، ويشرع بجدولة اهتماماته وتوجهاته تساوقا"مع متطلبات المرحلة التاريخية وليس انصياعا"لنزواته ، بحيث يجعل من ثوابته التقليدية محفزات للارتقاء نحو القيم العضوية ؟ ! .

عضوية المثقف التقليدي

لاشك في أن طروحات (غرامشي) في مضمار تطوير النظرية الماركسية وتعميق منهجيتها النقدية ، تشكل إغراءا"شديد الجاذبية لكل من يستهويه البحث وتجتذبه الدراسة ، حيال ما أبدعته قريحته من أفكار مستحدثه وتصورات جريئة ، لاسيما تحليلاته النقدية لمقولات المادية التاريخية ، ومقارباته التأويلية لمضامينها السوسيولوجية والابستمولوجية والفلسفية . التي تمخضت عن جملة من الرؤى والتصورات الواقعية ، جاس عبرها ومن خلالها ميادين وحقول لم يطأ شعابها غيره من مفكري الماركسية الكبار ، خصوصا"قضية تصنيفه الشهير لشريحة الانتللجنسيا إلى نمطين متقاطعين ؛ أحدهما (عضوي) ينبئ عن حاضر طبقة اجتماعية قيد الصيرورة ، أسهمت تطورات قوى الإنتاج وديناميكية علاقات الإنتاج ، بدفعها لتتبوء مراكز الطليعة في قيادة دفة المجتمع على صعيد توجهات الحاضر وآفاق المستقبل . كما وأناط إليه مهمة إنضاج وعيها الطبقي وبسط سلطانها الإيديولوجي ، فضلا"عن تحميله أعباء مسؤولية الاضطلاع بالتعبير عن إرهاصات (الكتلة التاريخية)، التي تمثل سبيكة جدل البنى الفوقية والتحتية ، أو إن شئت وحدة التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية . والآخر (تقليدي) يعبّر عن ماضي الطبقات التي استنفدت دورها التاريخي ، واستهلكت وظيفتها العضوية ، كما ويؤشر لانحدار مكانتها الاجتماعية ، ويشي بانحسار وعيها الطبقي ، جاعلا"منه كائنا"طفيليا"يعيش على هامش الجدلية الاجتماعية ، ويقتات على فتات سردياتها الأسطورية ، كما لو أنه كبش الفداء الذي وجد ليحقق مطامح الطبقة المسيطرة في هيمنتها السياسية ، ويسهم فضلا"عن ذلك بتكوين وديمومة مثقفيها العضويين . ذلك لأن ((المثقفين التقليديين – كما يقول الباحث الجزائري عمار بلحسن – يرتبطون داخل المجتمع الراهن بطبقة زائلة أو في طريقها إلى الموت ، رغم وجودها فهي لا تعتبر طبقة اجتماعية أساسية ؛ بل طبقة ثانوية . إن المثقفين التقليديين هم ذلك (الحطام) الثقافي الاجتماعي ، الذي بقى من انفجارات تاريخية سابقة وماضية)) . والواقع إن هذه النظرة الاختزالية لطبيعة ودور المثقف (التقليدي) في المجتمع ، لم تكن على الدوام حصيلة ديناميات الواقع الفعلي ، أو معطى ثابت من معطيات التجربة الاجتماعية ، بقدر ما كانت إفراز ظروف سياسية معينة ، وبنى اجتماعية مخصوصة ، وسياقات تاريخية محددة ، ألهمت القريحة الغرامشية لاجتراح ذلك المدماك النظري المتميز . وإذا كانت عبقرية غرامشي قد حملته لأن يخطو باتجاه أوسع وأعمق مما حتمت عليه عقيدته الماركسية الكلاسيكية ، خصوصا"في مضمار العلاقة ما بين معطيات البنية التحتية ومنتجات البنية الفوقية ، وأجمالا"ما بين مظاهر الوعي وظواهر الوجود ، مما أفضى لأن يتبوأ مكانة مرموقة حقول الفكر الماركسي فحسب ، بل وفي ميادين الفكر العالمي أيضا". فما المسوغ الذي يبقي مثقفي العالم العربي – وبضمنهم العراقيين طبعا"- مصرين على التمسك بالتوصيف (الطبقي) ، كمعيار للتمييز والمفاضلة ما بين المثقف (العضوي) المقرون بالخصال العقلانية والفضائل التقدمية من جهة ، وبين نظيره المثقف (التقليدي) المدموغ بالعيوب الأسطورية والمثالب الرجعية من جهة أخرى ؟ . حيث كان من الأجدى بهم والأنفع لهم ، إنعام حدة النظر وقدح زناد الفكر ، بالمغزى الذي تضمنته عبارة (غرامشي) التي مفادها ((إن نسبة عالية من المثقفين التقليديين من أصل فلاحي)) . لاسيما وان غالبية النخب العربية / العراقية هي من أصول ريفية / فلاحية، دلفت إلى حواضر المدن والقصبات ، بعيد فترة الاستقلال السياسي وانبثاق الحكومات الوطنية ، عبر مؤسسات التعليم والجيش والخدمات ، كما تشير معظم الدراسات السوسيولوجية والانثروبولوجية والديموغرافية التي عنت بهذه المسألة . ولما كانت للمثقف (العضوي) جوانب / بقايا (تقليدي) لا ينبغي إهمالها أو إسقاطها ، حين يتعلق الأمر بتحليل شبكة علاقاته وتأويل نظم خطاباته ، حتى وان كان لا يدركها اجتماعيا"ولا يعيها معرفيا". فان الضرورات المنهجية والمتطلبات العرفانية ، تستلزم الانخراط الجدي في البحث عن الخصائص (العضوية) التي يستبطنها المثقف (التقليدي) – بوعي أو بلا وعي – وهو يقوم بدوره ويمارس وظيفته في المجتمع ، ليس بالتعويل على إمكانية دمجه واستيعابه ضمن صفوف الطبقة المسيطرة سياسيا". وبالتالي استخدامه كرديف احتياطي لتفعيل قدرات مثقفيها العضويين إيديولوجيا"، لجعلهم أقدر تأثيرا"وأجدر تنظيما"، بعد أن يتبرأ من أوثان تاريخه الرابضة في عقله ، ويتطهّر من آثام تقاليد مجتمعه القارّة في وجدانه ، مثلما يرتأي البعض ممن لا يزالون يرزحون تحت نير التنظيرات الكلاسيكية لغرامشي ، دون أن يعيروا لحسنات النقد والتمحيص والمساءلة أي اهتمام . ولعل ما أفصح عنه الباحث التونسي (عزيز كريشين) يأتي كنموذج لوجهة النظر هذه حين كتب يقول ((إن المثقفين التقليديين – أي المثقفين العضويين المنتمين للطبقات المسيطرة السابقة – يمثلون عاملا"أساسيا"من عوامل التتابع التاريخي الثقافي ، ومن ثم يصبح غزوهم ودمجهم ضرورة بالنسبة للطبقة الجديدة الحاكمة . فمدى استيعاب الانتللجنسيا التقليدية يخضع للقوة التي تتم بها عملية بناء الانتللجنسيا الجديدة)) . نقول ليس بالتعويل على تلك الآراء الأحادية والتصورات الاختزالية ، التي لا ترى في شخصية المثقف )التقليدي) ، إلاّ جانبا"واحدا"من جوانبه المتعددة ، ولا تدرك إلاّ بعدا"واحدا"من أبعاده المتنوعة . وإنما بالاعتماد على صفاته النوعية وقدراته الثقافية ، التي غالبا"ما تشكل امتدادا"حيا"لحراك المجتمع وتجسيدا"لوعيه وسيكولوجيته ، وأرشيفا"لذاكرته ومخياله ، ومصدرا"لمرجعياته ورمزياته . وعلى ما يبدو فان المثقف (العضوي) ذاته ، لم يسلم من عواقب تلك النظرة الابتسارية ، التي أطرت أفكار الكثير من الباحثين في شؤون الثقافة وشجون المثقفين ، وذلك من خلال تنميط وظائفه وتحنيط فعالياته ، بحيث ألزم بممارسة دور (الاسمنت) اللاصق لعناصر الطبقة الاجتماعية المهيمنة . بصرف النظر عما تعانيه من تناحرات وصراعات ، وأنيطت إليه مسؤولية الجمع بين أجزائها ، بصرف النظر عما يتخللها من خلافات وانقسامات ، وكلف بمهمة التوحيد بين مكوناتها ، بصرف النظر عما تحتويه من تنوعات وتباينات . بحيث تحول من (مثقف) للتثوير الإرادي والتنوير العقلي والتطوير المعرفي ، إلى (داعية) للتبرير السياسي والتخدير الاجتماعي والتشهير الإيديولوجي . ولهذا فقد اعتقد الباحث (عمار بلحسن) المار ذكره إن ((الوظيفة الأساسية لكل مثقف عضوي داخل البنية الاجتماعية ، هو كونه (اسمنتا") يربط البنية التحتية بالبنية الفوقية ، ويكون بذلك (الكتلة التاريخية) . فهو – هو وزملاؤه طبعا"- يقوم بخلق وتوزيع ونشر الايديولوجيا من جهة ، وضمان انسجامية وعي الطبقة التي يرتبط بها عضويا"من جهة أخرى)) . وهو الأمر الذي يحيله – في إطار هذا التصور الاختزالي – إلى مثقف (تقليدي) بامتياز ، إذا ما سلمنا بالإيحاءات السلبية المترتبة على هذه الصفة ، حسب المنظور الغرامشي المساء فهم دلالته الاجتماعية والمطعون بادراك تخومه التاريخية . وإذا ما ذهبنا مذهب الذين ينظرون بعين الازدراء إلى ماهية المثقف (التقليدي) ، وجاريناهم في أنماط المآخذ التي تساق ضده ، من حيث طبيعة الوعي الأسطوري إلي يحمله ، والطبقة الآفلة التي يمثلها ، والثقافة الرثة التي يشيعها ، والمصالح الضيقة التي يعكسها ، سنلاحظ أو لا"انه لا يوجد – ولا يمكن له أن يوجد – مثقف يخلو من الصفات التقليدية ، سواء أكانت ظاهرة في خطاباته وسلوكياته ، أو مضمرة في عقله وانطباعاته . كما انه ومن باب الاستحالة إثبات نقاء المنظومة الذهنية لأي مثقف كان ، من شتى أنواع الرواسب ومختلف أشكال المؤثرات (التقليدية) ، التي لا بد وان تتمظهر بهذا القدر أو ذاك ، إن في معطيات شعوره المدرك أو في ديناميات لا شعوره الباطن . ولذلك نتفهم تماما"ملاحظة (جان مارك بيوتي) مؤلف كتاب (فكر غرامشي السياسي) ، حين يستصوب خطأ غرامشي حيال تصوره لماهية المثقف (التقليدي) بالقول ((إن غرامشي يخطئ إذ ينسب إلى المثقفين التقليديين وحدهم وهم الوقوف فوق الطبقات الاجتماعية . فإمكانية هذا الوهم ترجع إلى الاستقلال الذاتي النسبي للمثقفين عن الطبقات الاجتماعية ، وهو الاستقلال المبني ، كما رأينا ، على ضرورة وظائف المثقفين ونوعيتها ، وعلى دورهم النقدي ، وأخيرا"على المنظمات التي تلم شملهم . هذه الإمكانية مشتركة إذن بين جميع المثقفين)) . وسنلاحظ ثانيا"انه ما من مجتمع يفتقر إلى رصيد مهم من الرأسمال الرمزي (أعراف ، تقاليد ، قيم ، أديان ، ثقافات فرعية ، سرديات كبرى) ، يتناسب كما"ونوعا"مع طبيعة ذلك المجتمع ، إن من حيث الاستمرار والديمومة ، أو من حيث الانعكاس والتأثير . ولهذا فقد توصل (غرامشي) ضمن (دفاتر السجن) إلى حقيقة هامة وهي ((إن نشأة المثقفين التقليديين هي المسألة الأهم من الناحية التاريخية)). وسنلاحظ ثالثا"انه ما من مجتمع محتقن يقع ضمن محيط ؛ الأزمات السياسية ، والصراعات الاجتماعية ، والتصدعات القيمية ، والتناقضات الرمزية ، يبيح لنفسه الاستغناء عن / والتفريط بتلك العناصر (التقليدية) ، التي تشكل – من حيث الدور والوظيفة – الحاضن الطبيعي والكائن المؤتمن ، على حفظ وإدامة فاعلية القوى الحية والديناميات العميقة ، الشغالة في قيعان الوعي الجمعي ، وأخاديد الذاكرة التاريخية ، وطمى المخيال الأسطوري . ليس من باب استغلالها في ترويض الراديكالية الجماهيرية وتعليب وعيها الشقي ونمذجة سلوكها الطفولي وتسطيح شخصيتها النزقة ، كما درجت جميع النظم التوتاليتارية في العالم المتخلف على ممارسته ، وإنما من منطلق استثماره في تذكيرها بثوابت هويتها الوطنية ، وتبصيرها بمقومات شخصيتها الاجتماعية ، وتحفيزها بأصول مرجعياتها التاريخية ، ودفعها / من ثم ، لنبذ خلافاتها والتمسك بوحدتها ، وحملها للتخلي عن عصبياتها لصالح تآخيها . وسنلاحظ رابعا"وأخيرا"؛ انه إذا كان تصنيف المثقفين يخضع – وفقا"للمنظور الغرامشي دائما"- لمحددات المعيار الطبقي الأرثوذوكسي ، فان دور المثقف (العضوي) سينحصر حينذاك ضمن إطار طبقة اجتماعية واحدة ، دون سائر طبقات المجتمع الأخرى ، التي قد لا تقل شأنا"من حيث التموضع السوسيولوجي والتاريخي . كما إن وظيفته ستتحدد بمقدار ما يسبغ على تلط الطبقة السائدة ، من تجانس في الوعي وتناغم في العلاقات وتماهي في العقيدة ، وهو الأمر الذي سيحيله – خلافا"لنظيره التقليدي – في نهاية المطاف إلى عنصر يمارس التنميط الذهني بدلا"من التوعية الفكرية ، ويبرع في تأجيج التفاضل الطبقي بدلا"من التفاعل الاجتماعي ، وينشط في الحضّ على القطيعة البينية بدلا"من التواصل الروحي . وهكذا يبدو إن للمثقف (التقليدي) الكثير من لخصال (العضوية) اجتماعيا"وأيديولوجيا"، التي لم تكن واردة على جدول أعمال الكتاب والباحثين ، ممن أهملوا حسناتها وتجاهلوا فوائدها ، بوحي من تصورات وتنظيرات ما كان لغرامشي ذاته إن يبقى متمسكا"بها ومراهنا"عليها ، وهو الذي كان له مع العقيدة الماركسية – اللينينية ما كان ؛ من تطوير ابستمولوجي وتثوير سوسيولوجي وتحوير مفاهيمي ، بحيث أنها لم تلبث أن تشكل لجميع التيارات ؛ مصدرا"للجدال الفكري والسجال الإيديولوجي والنضال السياسي ، رغم الفاصل التاريخي والعازل الجغرافي ..



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مستر حارث
المشرفون
المشرفون
مستر حارث


رسالة sms * : LovE me
تاريخے التسجيلے•|~ : 22/03/2011
مُشارڪاتے •|~ : 709
تاريخے الميےلاد•|~ : 05/08/1993
العمےر•|~ : 30
العملے •|~ : انااااااااااااااااااااااام
الےبَلَد•|~ : بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! Iq10
مزآجے •|~ : بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! 81010
mms : بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! 8

بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! Empty
مُساهمةموضوع: رد: بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟!   بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 26, 2011 4:58 am

عاشت ايدج بنوته واليوم مبدعه وربي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فنان العراق

فنان العراق


رسالة sms * : امــســيــك بــريــح الــورد والــوانــه واحــبــك بــقــلــب أنــت عــنــوانــه و اغــلــيــك بــروح لــك ولــهــانــه
تاريخے التسجيلے•|~ : 22/07/2011
مُشارڪاتے •|~ : 51
تاريخے الميےلاد•|~ : 01/07/1985
العمےر•|~ : 38
العملے •|~ : مهندس الروح اني
الےبَلَد•|~ : بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! Iq10
مزآجے •|~ : بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! 2210
mms : بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! 4510

بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! Empty
مُساهمةموضوع: رد: بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟!   بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟! I_icon_minitimeالجمعة أغسطس 19, 2011 4:28 pm

مشكوررررررررررررررررررررررر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بين التحجر الإيديولوجي والتصحر المعرفي: أين هو المثقف العضوي ؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قناة شباب tv :: المنتديات العامة :: منتدى الثقافة العامة-
انتقل الى: